"تقودني
خطواتي مسرعة خارج الحي، انتظر مرور السيارات المسرعة و اعبر الطريق، أسير
على الرصيف الضيق، لا يتسع لأكثر من شخصين، يأتي شخص ثالث يزاحمنا هذا
الحيز الضيق، فيتنازل الأقل عنادا و ينزل من على الرصيف إلى الطريق.. حركة
السير خانقة، تكاد السيارات تلتصق ببعضها، أبواقها تصم الآذان، ودخانها
يملأ الرئتين..على جسر القنطرة يتسع الرصيف قليلا، شيخ بثياب قذرة ممدد على
الأرض، فقط شعر لحيته المهتز بأنفاسه يوحي
بأنه لا يزال حيا، يمد قدميه العاريتين على الرصيف في وجه مروءتنا العارية
.. نحاول تجاهله، إخراجه من مجال بصرنا، فننجح و نتجاوزه دون أن تعلق
صورته القذرة بضميرنا الناصع، أصل إلى شارع " طريق جديدة" المتهرئ، في
تناقض صارخ بينه و بين تسميته، فلا هو بالطريق و لا هو بالجديد، و كعادته
مزدحم، بالكاد أجد لنفسي مكانا اعبر منه، رجل أعمى يبيع الجوارب على
الرصيف، صراخ متسولة تسأل مالا لشراء الحليب لطفل أشقر أزرق العينين تعلو
وجنتاه حمرة، و على الرصيف الآخر متسولة زنجية تحمل طفلها خلف ظهرها، فيبدو
المشهد كأنه اختبار لعنصرية عطاءنا، امرأة تضربني دون قصد بأكياسها و
تواصل سيرها دون اعتذار.. أمر على محلات الأكل السريع، تفوح رائحة التوابل و
تلفح وجهي الحرارة المنبعثة من سيخ الشورما، ألقي نظرة على اللحم المكدس
فيه و أفكر في أننا إلى حد ما نشبهه، أكداس بشرية لا تعدو أن تكون مجرد
كم.. تتقدمني شابتان تمشيان الهوينى، أحاول تجاوزهما لكنهما تحتلان الرصيف،
يزيد امتعاضي، فأرجع إلى الطريق لأواصل سيري.. لم يعد التجول في هذه
المدينة يغريني، كل ما تقع عليه عيناي يثير اشمئزازي، أحاول الآن الهروب
إلى الأزقة الأقل اكتظاظا.. أفر من روائح العرق و الألوان الصارخة التي تنم
عن ذوق مبتذل، و من كل ما يوحي بأن هذه المدينة أصبحت مجرد قرية كبيرة.
أصل إلى ساحة لابريش التي تعج بمن لم يثنهم شيء عن الخروج في هذه الشمس
الحارقة، أناس يسيرون دون هدف، ملامحهم تتشابه أكثر و أكثر، أو يصيرون دون
ملامح..رجل يحدث نفسه، لا يبدو عليه الخبل بقدر البؤس..جمل مقتطعة من
أحاديث المارة تتلاشى في الفضاء قبل أن تصل مسامعي.."
بالتوفيق بانتظار صدورها
RépondreSupprimer