vendredi 5 septembre 2014

"22 نصيحة من ســتيـفن كــينــغ لتصبح كاتبا عظيما"




 مقال :ماجي زانغ
ترجمة: جهان سمرقند


تأسر الروايات التي يكتبها الكاتب المعروف ستيفن كينغ ملايين الأشخاص حول العالم وتجر عليه أرباحا تقدر بسبعة عشر مليون دولار في العام.
في مذكراته " عن الكتابة"، طرح كينغ رؤى قيّمة عن كيف  يصبح المرء كاتبا جيدا، فلم يجمّل الأمر، و كتب قائلا:" لا أستطيع أن أكذب و أقول لا يوجد كتاب سيئون. أنا آسف! لكن هناك الكثير منهم".
لا تكن واحدا منهم؟ إليك 22 نصيحة مهمة من كتاب كينغ حول كيف تصبح كاتبا عظيما.
1.توقف عن مشاهدة التلفاز، و بدل ذلك، اقرأ قدر الإمكان .
إن كنت قد بدأت الكتابة للتو، فأول شيء عليك التخلص منه هو تلفازك، فالتلفاز "مسمم للإبداع" على حد قوله. يحتاج الكتّاب إلى إحالة نظرهم إلى أنفسهم و الانتقال إلى حياة الخيال.
للقيام بذلك، عليهم أن يقرؤوا قدر الإمكان. يحمل كينغ كتابا معه حيثما ذهب، و يقرأ حتى خلال الوجبات. " يقول: " إذا أردت أن تصبح كاتبا، عليك القيام بأمرين قبل كل شيء: اقرأ كثيرا و اكتب كثيرا". اقرأ على نطاق واسع، و اعمل باستمرار على صقل و إعادة تحديد عملك الخاص أثناء قيامك بذلك.
2. استعد لمزيد من الإخفاقات و الأزمات أكثر مما تتصور أن بإمكانك التعامل معه.
و يشبه كينغ كتابة الرواية بعبور المحيط الأطلسي في حوض استحمام، لأنه في كلتا الحالتين " هناك الكثير من احتمالات الشك في النفس". و لن تشك أنت فقط في نفسك، بل حتى أن الآخرين سيشكون فيك أيضا. كتب كينغ" إن كنت تكتب ( أو فرضا ترسم أو ترقص أو تنحت أو تغني)، فهناك شخص يحاول أن يجعلك تشعر بالرداءة حيال ما تكتب، هذا كل ما في الآمر."
في كثير من الأحيان، عليك أن تستمر في الكتابة حتى عندما لا تكون لديك رغبة بذلك. يقول كينغ :" إيقاف جزء من العمل فقط لأنه صعب، سواء عاطفيا أو خياليا، هو فكرة سيئة". و عندما تفشل، يقترح كينغ أن تبقى إيجابيا. " التفاؤل هو الرد المشروع على الفشل".
3. لا تضيع وقتك في محاولة إرضاء الناس.
حسب كينغ، فإنه يجب أن تكون الفظاظة آخر ما يشغلك. حيث كتب " إذا كنت تنوي أن تكتب بصدق قدر الإمكان ، فاعلم أن أيامك كفرد في المجتمع المؤدب قد أصبحت معدودة على أي حال". كان كينغ يستحي مما يكتب خاصة بعدما تلقى رسائل غاضبة تتهمه بأنه متعصب، و كاره للمثليين، و قاتل و حتى مضطرب عقليا.
عندما بلغ كينغ الأربعين،أدرك أن كل كاتب لائق قد اتهم بأن الموهبة تنقصه. و قد اكتفى كينغ حتما من هذا الأمر، فكتب قائلا: " إن كان لديك اعتراض، فأنا لا أستطيع سوى أن أتغاضى عن الأمر، هذا كل ما أملك" لا يمكنك أن ترضي كل قراءك في جميع الأحيان، و لذا ينصح كينغ بعدم الاكتراث للأمر.
4. اكتب مبدئيا لنفسك.
يجب أن تكتب لأن الكتابة تجلب لك السعادة و تحقيق الذات. كما يقول كينغ:" كتبت من أجل البهجة الخالصة للكتابة، فإن استطعت أنت فعل ذلك من اجل البهجة، فإنك ستفعله للأبد".  
و يزودنا الكاتب كورت فونيجت برؤية مشابهة حيث قال " جد لنفسك موضوعا تهتم به و الذي تحس في قلبك أن على الآخرين الاهتمام به أيضا". " إنه ذلك الاهتمام الحقيقي، و ليس تلاعبك باللغة، هو الذي سيكون العنصر الأكثر إقناعا و إغراء في أسلوب كتابتك".
5 .عالج أكثر الأمور المستعصية في الكتابة.
يقول كينغ:" إن الأمور الأكثر أهمية هي الأصعب أن نقولها". و أضاف " هي الأمور التي تخجل منها لأن الكلمات تعجز عن وصف مشاعرك". و تكون الجزء الأكبر في الكتابة مسبوقة بساعات من التفكير. و في ذهن كينغ " الكتابة هي صقل للتفكير".
عند معالجة القضايا المستعصية، تأكد من الحفر بعمق. يقول كينغ: " القصص كالمستحثات، أشياء نعثر عليها..القصص هي آثار، أجزاء من عالم وجد سابقا و لم يكتشف بعد" يجب أن يكون الكتاب كعلماء الآثار، عليهم التنقيب على أكبر قدر من القصص التي يمكنه إيجادها.
6. أثناء الكتابة، انفصل عن باقي العالم.
يجب أن تكون الكتابة نشاطا حميميا. ضع مكتبك في زاوية الغرفة، و أقصي كل ما يمكن أي يشغلك، من الهاتف إلى النوافذ المفتوحة. و ينصح كينغ" اكتب و الباب مغلق، أعد الكتابة و الباب مفتوح".
يجب أن تحافظ على خصوصية تامة بينك و بين عملك. كتابة مسودة أولى هو "أمر أولي بالكامل، وهذا النوع من الأمور التي لا أتردد في القيام بها و الباب مغلق- فكأن القصة تقف عارية من كل شيء سوى الجوربين و السروال التحتي."
7. لا تكن مدعٍ.
يقول كينغ " إحدى أسوء الأمور التي قد تلحقها بكتاباتك هي تنميقك للمفردات، و البحث عن الكلمات الطويلة لأنك ربما خجل بعض الشيء من كلماتك القصيرة". و يشّبه هذا الأمر بإلباس ثياب تنكرية للحيوان الأليف، حينها يكون المالك و الحيوان محرجان لأن الأمر مبالغ فيه تماما.
كما كتب رجل الأعمال الشهير ديفيد أوغيلفي في مذكرة لموظفيه: "لا تستخدم أبدا ألفاظ من اللغة الاصطلاحية مثل "إعادة تشكيل المفهوم "، " التشتيت" ، " اتجاهيّ"، "حُكميا" فهي سمة أحمق مدعي." فضلا عن ذلك، لا تستخدم الرموز إلا عند الضرورة. و يقول كينغ:"الرمزية موجودة للتزين والإثراء، وليس لخلق إحساس زائف للعمق".

8. تجنب استعمال الحال و الفقرات الطويلة.
كما أكد كينغ أكثر من مرة في مذكراته " الحال ليس صديقك". في الواقع، هو يعتقد " أن الطريق إلى جهنم محفوف بالحال" و يُشّبه الأمر بالهندباء التي تخرّب حديقتك. و الأسوأ أن يأتي الحال بعد "قال" أو "قالت"، يستحسن ترك العبارتين دون تنميق.
يجب عليك أن تنتبه لفقراتك أيضا، و بذلك تتدفق حسب اتجاهات و إيقاعات قصتك.و يقول كينغ " الفقرات تكون تقريبا مهمة دائما من ناحية شكلها أكثر مما هي عليه من ناحية مضمونها".
9. لا تبالغ في الاهتمام بالقواعد.
حسب كينغ فإن الكتابة هي مسألة إغواء و ليست مسألة دقة، حيث كتب " ليس على اللغة أن ترتدي دائما ربطة عنق و حذاء بالرباط" و أضاف " فالغرض من الرواية ليس الدقة اللغوية إنما هو الترحيب بالقارئ ثم إخباره بالقصة" فاحرص على أن تجعل القارئ ينسى تماما أنه بصدد قراءة قصة.
10. إتقان فن الوصف.
"يبدأ الوصف في خيال الكاتب و ينتهي في خيال القارئ"هذا ما عبّر عنه كينغ. ليس الأهم أن تكتب بما فيه الكفاية و إنما أن تضع حدا لما تقوله. أن تقوم بتصوير ما تريد لقارئك أن يختبره أولا، ثم تترجم ما تراه في ذهنك إلى كلمات على الصفحة. تحتاج إلى أن تصف الأشياء " بطريقة تجعل قارئك يقر لك بذلك" على حد قوله.
مفتاح الوصف الجيد هو الوضوح، في الملاحظة كما في الكتابة. استعمل صور جديدة و مفردات بسيطة  لتفادي إنهاك قارئك. و يشير كينغ إلى أنه " في كثير من المرات عندما يضع القارئ القصة جانبا لأنه أصيب بالملل، فمرد هذا الملل إلى أن الكاتب قد كَبُر مأخوذا بقدرته على الوصف ففقد بالتالي إدراكه لما هو أولوي بالنسبة له  و هو المحافظة على الاستمرارية.
11. لا تعطي معلومات أساسية أكثر من اللازم.
كتب كينغ:" ما تحتاج لتذكره هو أن هناك فرقا بين أن تحاضر حول ما تعرفه و بين أن تستعمله لإثراء قصتك" و أضاف " هذا الأخير أمر جيد، أما ما سبقه فلا" عليك التأكد من إدراج تفاصيل تدفع بقصتك إلى الأمام و تقنع القارئ بمواصلة القراءة.
إن احتجت لإجراء بحث، فتأكد أنه لن يطغى على القصة. و حسب كينغ فإن البحث يعود " على الخلفية و ما على وراء القصة بقدر ما يمكنك فهم ذلك". بإمكانك  أن تُسحر بما تقرأ، لكن قراءك سيهتمون أكثر بشخصياتك و قصتك.
12.أسرد قصصا حول ما يفعله الناس في الواقع.
تعتبر الكتابة السيئة مسألة أكبر من مجرد تركيب مقرف و ملاحظة  خاطئة، لكنها تنشأ عادة من الرفض المتصلب لسرد قصص عما يفعله الناس في الواقع. يقول كينغ "لمواجهة الواقع، دعنا نقل، أن القتلة يساعدون أحيانا العجائز على عبور الشارع". الناس في قصصك هم أكثر ما يثير اهتمام القراء، لذا عليك أن تقر بكل الأبعاد التي بالإمكان أن تكون في شخصياتك.
13. خض المخاطر، لا تبقى في دائرة الأمان.
أولا و قبل كل شيء، عليك التوقف عن استخدام صيغة المبني للمجهول، إنها أكبر مؤشر على الخوف. يقول كينغ " أنا مقتنع أن الخوف هو مصدر كل كتابة سيئة". على الكتاب إلقاء مخاوفهم خلفهم، و استجماع قواهم، و ينكبوا على الكتابة.   
و يضيف " جرب أي شيء لعين تريده، مهما كان فاحشا أو كان طبيعيا بشكل ممل، إن نجح الأمر، فهذا جيد، و إن لم ينجح فارمه".
14. عليك أن تعي أنك لست بحاجة للمخدرات حتى تكون كاتبا جيدا.
"فكرة أن المسعى الإبداعي و المواد المنشطة متلازمان هي واحدة من أكبر الأساطير الفكرية الشائعة في وقتنا الحالي" يقول كينغ.  و في نظره، الكتاب الذين يتعاطون المخدرات هم ببساطة مدمنون. و يضيف " أي مزاعم تدعي أن تعاطي المخدرات والكحول ضروري للتخفيف من الحساسية المرهفة ليست سوى هراء معتاد لخدمة المصالح الذاتية.
15. لا تحاول سرقة صوت شخص ما.
كما قال كينغ " لا يمكنك أن تقذف كتابا كصاروخ كروز". عندما تحاول تقليد أسلوب كاتب آخر لأي سبب عدا الممارسة، فإنك لن تنتج سوى " تقليد شاحب". هذا لأنه لا يمكنك إطلاقا محاولة تكرار الطريقة التي يحس بها شخص ما و يواجه بها الحقيقة، خاصة عبر إلقاء نظرة سطحية للمفردات و الحبكة.
16. عليك أن تعي أن الكتابة هي نوع من التخاطر.
يقول كينغ "كل الفنون تعتمد على التخاطر إلى حد ما، لكنني أؤمن أن الكتابة هي الخلاصة الأنقى". و يعتبر النقل عنصرا مهما في الكتابة، فمهمتك ليست كتابة كلمات على الصفحة، إنما هي نقل الأفكار من رأسك إلى رأس قرّائك.
و يضيف كينغ "الكلمات هي مجرد وسيط تحدث عبره عملية النقل". و ينصح فونيجت أيضا في "نصائح عن الكتابة"الكُتَّاب قائلا "استهلك وقت من هو غريب تماما عنك بطريقة لا تجعله يشعر أنه قد أضاع وقته".
17. خذ كتابتك على محمل الجد.
يقول كينغ: " يمكنك الاقتراب من فعل الكتابة بعصبية، أو بإثارة، أو بأمل أو يأس" و أضاف " اذهب إليها بأي طريقة المهم أن تكون على محمل الجد". و إن لم ترغب في أخذ كتابتك على محمل الجد، فإنه يقترح أن تغلق الكتاب و تجد لنفسك شيئا آخر تفعله.
و كما قالت الكاتبة سوزان سونتاغ: " يجب على القصة أن تضرب على الوتر في نفسي. و يجب أن يبدأ قلبي بالخفقان بشدة عند سماع أول سطر منها في رأسي. و أبدأ بالارتجاف من الخطر.
18. اكتب كل يوم.
 يقول كينغ "بمجرد أن أبدأ العمل في مشروع، فإنني لا أتوقف، و لا أتباطئ إلا  لضرورة قصوى" و يضيف " إذا لم أكتب كل يوم فإن الشخصيات تبدأ بالتلف في ذهني.. و أبدأ بفقدان سيطرتي على حبكة القصة و وتيرتها."
إذا فشلت في الكتابة باستمرار، فبإمكان فكرتك أن تفقد إثارتها. عندما يصبح العمل يبدو و كأنه عمل، يصف كينغ هذه اللحظة كأنها " قبلة الموت". و أفضل نصيحة يقدمها هي أن تكتب " كلمة واحدة كل مرة".
19. انهي المسودة الأولى خلال ثلاثة أشهر.
يفضل كينغ كتابات عشر صفحات في اليوم. و على مدى ثلاثة أشهر، يصل هذا إلى حوالي 180.000 كلمة. و يقول " لا يجب أن تستغرق المسودة الأولى _ و إن كانت طويلة_ أكثر من ثلاثة أشهر، و هي مدة فصل من السنة". و يؤمن كينغ بأنه إذا قضيت وقتا طويلا على مسودتك، فإن القصة قد بدأت تأخذ شعورا أجنبيا غريبا.
20. عند الانتهاء من الكتابة، ارجع خطوة كبيرة للوراء.
يقترح كينغ ستة أسابيع "نقاهة" بعد الانتهاء من الكتابة، فيكون ذهنك صاف لرصد أي ثغرات واسعة في الحبكة و في تطور الشخصيات. كما يؤكد أن نظرة الكاتب الأولية للشخصية يمكن أن تكون ذات نقائص تماما كنظرة القارئ.
و يشبه كينغ عملية  الكتابة و المراجعة بالطبيعة حيث كتب " عندما تؤلف كتابا، فإنك تقضي وقتك يوما بعد يوم في فحص و تعيين الأشجار" و أضاف" و عندما تنتهي عليك التراجع للخلف لتنظر للغابة". و عندما تكتشف أخطاءك يقول " لا يجب أن تشعر بالاكتئاب منها أو تقسو على نفسك، فالإخفاقات تحدث لأفضلنا".
21. امتلك الشجاعة للقص.
عند المراجعة، يواجه الكتاب وقتا صعبا في التخلي عن كلمات قضوا وقتا طويلا في كتابتها. لكن، كما جاء في نصيحة كينغ " أقتل أعزائك، أقتل أعزائك، حتى عندما يُكسر قلب خربشتك الأناني الصغير اقتل أعزائك".
على الرغم من أن المراجعة هي واحدة من أصعب أجزاء الكتابة، فإنك تحتاج إلى إزالة الأجزاء المملة للتقدم بالقصة. و في " نصائح حول الكتابة"، يقترح فونيجت: " إن لم تنير الجملة، مهما كانت ممتازة، موضوعك بطريقة جديدة و مفيدة، فاشطبها".
22. ابق متزوجا، انعم بصحة جيدة و عش حياة جيدة.
يُرجع كينغ نجاحه إلى أمرين: صحته الجسدية و زواجه، حيث كتب " الجمع بين جسم صحي و علاقة مستقرة مع امرأة مستقلة بذاتها لم تأخذ أي شيء مني أو من أحد غيري، جعل استمرارية حياتي العملية ممكنة".
من المهم أن يكون هناك توازن قوي في حياتك، وبالتالي لا تستهلكها الكتابة ككل. وينصح الكاتب و الرسام هنري ميلر في " أحد عشرة نصيحة للكتابة" قائلا: " حافظ على الإنسانǃ التق بالناس، زر أماكن، و اشرب إن رغبت في ذلك".

samedi 30 août 2014

الـــمــــــرآة





قصة لهاروكي موراكامي

ترجمة: جهان سمرقند


كل القصص التي رويتموها الليلة تبدو واقعة ضمن فئتين، فهناك فئة حيث تجد عالم الأحياء من جهة، و عالم الأموات من جهة أخرى، و بعض القوى التي تسمح بالعبور بين الجهتين، و يشمل هذا الأشباح و ما شابههم. أما الفئة الثانية فتتضمن القدرات الخارقة، الهواجس، و القدرة على التنبؤ بالمستقبل. كل قصصكم تنتمي إلى واحدة من الفئتين.
في الواقع، تجاربكم  تندرج ضمن واحدة منهما. ما أعنيه، أن الناس الذين يرون الأشباح يرون فقط الأشباح و لا هواجس لديهم إطلاقا. و الذين تتملكهم الهواجس لا يرون الأشباح. لا أدري لما، لكن على ما يبدو أنها نزعة فردية إلى واحدة منهما، هذا انطباعي على الأقل.
هناك بالتأكيد من لا ينتمون إلى أي فئة، و على سبيل المثال أنا. فعندما بلغت ثلاثين سنة و نيف لم أكن قد رأيت شبحا يوما في حياتي، و لم تتملكني أية هواجس و لا رؤى.  حدث مرة أن كنت في مصعد مع زوجين من الأصدقاء و قد أقسموا أنهم قد رأوا شبحا معنا، لكنني لم أرى شيئا. و ادعوا أنها كانت امرأة ببدلة رمادية تقف تماما بقربي، لكن لم تكن هناك أي امرأة، على الأقل بقدر ما يمكنني تصديق ذلك. كان ثلاثتنا فقط في المصعد، أنا لا امزح، و لم يكن هذين الصديقين من النوع الذي يخطط للقيام بمقلب لي. كان الأمر برمته غريبا، لكن تبقى حقيقة أنني لا زلت لم أرى شبحا على الإطلاق.
لكن كانت هناك مرة – فقط مرة واحدة- مررت فيها بتجربة أرعبتني و أفقدتني صوابي.  حدث هذا قبل عشر سنوات، و لم أخبر به أحدا قط. كنت خائفا حتى من الحديث عن الأمر. أحسست أنني لو فعلت فإن الأمر سيتكرر ثانية، و لذا لم أُثر الموضوع. لكن الليلة تحدّث كل واحد منكم عن تجربته الخاصة، و بصفتي المضيف لا يمكن أن أسميها ليلة دون أن أشارك فيها بقصة من عندي.  لذا قررت أن أدخل في الموضوع مباشرة و أخبركم قصتي. ها هي إذن:

تخرجت من الثانوية العامة في نهاية 1960، حينما بلغت الحركة الطلابية أوجها للتو. و كنت جزء من جيل الهيبيين، و رفضت الذهاب إلى الكلية، و بدلا عن ذلك، جلت جميع أنحاء اليابان أمتهن الحرف.  كنت مقتنعا أن هذه هي أكثر طريقة صائبة للعيش. يافع و متهور، هكذا بإمكانكم أن تنعتوني. عندما أعيد النظر إلى تلك المرحلة من حياتي، على الرغم من كل شيء، أعتقد أنني حظيت بحياة ممتعة  وقتها. و سواء كان الخيار صائبا أم لا، فإنه لو أتيحت لي العودة للماضي مرة أخرى، فأنا متأكد من أنني  سأعيش بنفس الطريقة مرة أخرى.
في خريف السنة الثانية من التجوال عبر البلاد، حصلت على عمل لشهرين كحارس ليلي في مدرسة إعدادية. كان هذا في مدرسة ببلدة صغيرة في محافظة نيجاتا. كنت قد أُنهكت من العمل طيلة الصيف، و أردت أخذ الأمور ببساطة لفترة. أن تكون حارسا ليليا ليس بالأمر المعقد، فقد كنت أنام خلال النهار في مكتب البواب، و في الليل كل ما كان عليّ فعله هو القيام بجولتين حول المدرسة للتأكد من أن كل شيء بخير، أما باقي الوقت فقد كنت استمع للتسجيلات في غرفة الموسيقى، اقرأ الكتب في المكتبة، و ألعب كرة السلة لوحدي في قاعة الرياضة. أن تبقى وحيدا طوال الليل في مدرسة لم يكن حقا بالأمر السيئ. هل كنت خائفا؟ إطلاقا. فعندما تكون في الثامنة عشر أو التاسعة عشر من العمر لا شيء يرعبك.
لا أتصور أن هناك  منكم من عمل يوما كحارس ليلي، لذا أظن أنه عليّ أن أشرح طبيعة العمل و واجباته. يُفترض أن تقوم بجولتين كل ليلة، واحدة على الساعة التاسعة ليلا و الأخرى على الثالثة فجرا، هذا هو البرنامج. كانت المدرسة بناءا جديدا من ثلاث طوابق، من ثمانية عشر إلى عشرين حجرة دراسية،و لم تكن بالمدرسة الكبيرة كباقي المدارس. بالإضافة إلى الحجرات هناك قاعة الموسيقى، و حجرة التدبير المنزلي، أستوديو للفنون، مكتب الموظفين، و مكتب المدير، بالإضافة إلى كافيتريا منفصلة، مسبح، صالة رياضة، و قاعة محاضرات.  كانت مهمتي أن أقوم بمراقبة سريعة لكل هذا.
أثناء القيام بجولاتي، كنت أتّبع قائمة تَحَقُّق مكوّنة من عشرين نقطة، حيث أضع علامة "تمّ" أمام كل نقطة أنتهي من التحقق منها: مكتب الموظفين تمّ ، مخبر العلوم تم... أظن أنه كان بإمكاني البقاء في السرير في غرفة البواب، أين أنام ، و أضع علامات التحقق على القائمة دون تكبد عناء القيام بالجولة. لكنني لم أكن من ذلك النوع العشوائي من الشباب. لم تكن الجولة تستغرق وقتا طويلا، ضف إلى ذلك، إذا ما سطا أحدهم على المكان أثناء نومي، فأنا أول من سيتعرض للهجوم.
على كل حال، كنت هناك على التاسعة و النصف كل ليلة، أقوم بجولاتي،أحمل  المصباح في يدي اليسرى، و في يمناي سيف كيندو خشبي. مارست الكيندو في الثانوية  و أحسست بالثقة في قدرتي على التصدي لأي كان، و إذا كان الذي يهاجمني مجرد هاو، حتى و لو كان يحمل سيفا حقيقيا، فإن هذا لن يخيفني. لا تنسوا أنني كنت شابا آنذاك، أما إن حدث أمر كهذا الآن، فإنني سأفر كالجبان.
على أي حال، حدث هذا في ليلة عاصفة في بداية أكتوبر، في الواقع يكون الجو رطبا نوعا ما في هذا الوقت من السنة. كان سرب من البعوض يحوم في الجوار ذاك المساء، و أتذكر أنني قمت بحرق قرصين مبيدين للحشرات لإبقائه بعيدا. كانت الريح عاتية، و كانت بوابة المسبح مكسورة ما جعل الريح تصفقها ذهابا و إيابا. فكرت في إصلاحها، لكن الظلام كان حالكا، لذا ظلت تصفق بقوة طوال الليل.
مرت جولة التاسعة و النصف بخير، و تم التحقق من كل النقاط العشرين على القائمة بشكل دقيق. كانت كل الأبواب مغلقة، و كل شيء في مكانه. لا شيء غير عادي. فعدت إلى غرفة البواب، و ضبطت منبهي على الثالثة، و غرقت في النوم بسرعة.
عندما رن المنبه على الثالثة، ، استيقظت و شعور غريب الذي كان يراودني. لا يمكنني شرح الأمر، لكني شعرت أني مختلف.  لم أشعر بأنني أنهض، بل كأن هناك شيء ما يكبت رغبتي في النهوض من الفراش، لاسيما أنني من النوع الذي يقفز مباشرة من فراشه، لذا لم استطع فهم الأمر. كان عليّ إجبار نفسي على النهوض و الاستعداد للقيام بجولتي. كانت بوابة المسبح لا تزال تواصل إيقاع ضربها، لكنه الآن مختلف عما سبق. فكرت في أن هناك شيء غريب يحدث بالتأكيد، و ترددت في الذهاب. لكن أقنعت نفسي أنه عليّ القيام بعملي، مهما حدث. ذلك أن المرء إن تهرّب من القيام بواجبه مرة، فإنه سيتهرب مرارا، و لم أشأ أن أقع في أمر كهذا. لذا حملت مصباحي  و السيف الخشبي و انطلقت.
كانت ليلة غريبة تماما. كان صرير الريح يزداد مع مرور الليل، و الهواء يتشبع أكثر بالرطوبة. بدأت الحكة تسري في جسدي و  لم أستطع التركيز.  قررت أن أبدأ بصالة الرياضة و قاعة المحاضرات و المسبح. كان كل ما تحققت منه على ما يرام. و كانت بوابة المسبح تهتز تحت وقع الريح كشخص مجنون يهز رأسه حينا و يومئ به حينا آخر، بشكل عشوائي. أولا إيماءتين: نعم، نعم ثم لا، لا، لا .. أعلم أن هذا التشبيه غريب، لكن هكذا بدا لي الأمر حينها.
كان الوضع عاديا داخل مبنى المدرسة. تحققت من الأمكنة و سجلت ذلك على قائمتي، لا شيء خارج المألوف يحدث، رغم الشعور الغريب الذي يراودني. مرتاحا قفلت راجعا إلى غرفة البواب. كان آخر مكان في قائمتي هو غرفة المرجل المحاذية للكافيتريا في الجانب الشرقي للمبنى، و المقابل لغرفة البواب، ما يعني أنه عليّ أن أمشي على طول الرواق بالطابق الأول في طريق عودتي. كان الظلام دامسا.، ففي الليالي التي لا يحجب فيها القمر، يكون الرواق مضاءً بعض الشيء، أما إن حُجب القمر فلن تستطيع رؤية شيء.
كان عليّ أن أسلط ضوء المصباح أمامي لأرى طريقي.  في تلك الليلة الخاصة، لم يكن الإعصار ببعيد، لذا كان القمر محجوبا. من وقت إلى آخر ، يتسلل نوره من بين السحب، لكن سرعان ما يغرق المكان في العتمة من جديد. كنت أمشي في الرواق أسرع من المعتاد، و كان أسفل حذائي الرياضي المطاطي يحدث صريرا إذ يحتك بالأرضية المشمعة. كان المشمع بلون أخضر كسرير مضبب بالطحالب، يمكنني حتى الآن استحضار صورته. كان مدخل المدرسة في المنتصف أسفل الرواق، و عندما مررت به فكرت، ما هذا ال ـــــ؟ خلت أنني رأيت شيئا في الظلام. فبدأت أتصبب عرقا، أحكمت قبضتي على السيف الخشبي، و استدرت ناحية ما رأيت، و سلّطت ضوء المصباح على الحائط المقابل لرفوف تخزين الأحذية.
و هناك كنت أنا، بعبارة أخرى لقد كانت مرآة، و لم يكن إلا انعكاس صورتي فيها. لم تكن موجودة في الليلة سابقة، لابد أنهم قاموا بتثبيتها في النهار. لقد كنت مذهولا يا رجل. لقد كانت مرآة طويلة، بالطول الطبيعي للإنسان. فارتحت لأن الأمر كان مجرد انعكاس لصورتي على المرآة، و شعرت قليلا بالغباء من كوني تفاجأت من هذا. إذن هذا كل ما في الأمر ، قلت في نفسي.  يا له من غباءǃ. وضعت مصباحي أرضا، و أخذت سيجارة من جيبي، و  أشعلتها. نظرت إلى نفسي في المرآة و أنا أسحب نفسا من سيجارة، لاح ضوء خافت من الخارج عبر النافذة وصولا إلى المرآة، و كانت بوابة المسبح من خلفي تهتز على وقع الريح.
بعد سحب بضع أنفاس من السيجارة، لاحظت فجأة شيئا غريبا، و هو أن الصورة المنعكسة على المرآة لم تكن لي. ظاهريا تبدو مثلي تماما، لكنها لم تكن أنا بكل تأكيد.  كلا، لم تكن انعكاسا، بل كانت أنا، لكنها أنا آخر. أنا آخر ما كان يجب أن يكون إطلاقا. لا أدري كيف أعبر عن الأمر، لكن من الصعب شرح ما أحسسته حينها.
الأمر الوحيد الذي فهمته هو أن هذا الشخص يكرهني. كان بداخله كره يشبه جبلا من الجليد يطفو على بحر مظلم. ذلك النوع من الكره الذي ليس بإمكان أحد أن يخفف منه إطلاقا.
وقفت هناك لفترة، مندهشا. انزلقت سيجارتي من بين أصابعي و سقطت على الأرض، و كذلك سقطت السيجارة التي في المرآة. كنا واقفين هناك، نحدّق في بعضنا. أحسست أنني كنت مقيّد اليدين و القدمين و لم استطع الحراك.
و أخيرا تحرّكت يده، و لامست أنامل يده اليمنى ذقنه، ثم كحشرة، زحفت ببطء على وجهه. أدركت فجأة أنني كنت أقوم بالشيء نفسه، وكأني كنت أنا انعكاسا لما في المرآة و الذي كان يحاول أن يسيطر عليّ .

مستجمعا ما تبقى لي من قوة صرخت و انقطع الوثاق الذي كان يبقيني متسمّرا في المكان.  رفعت سيف الكيندو و هويت به على المرآة بكل ما أوتيت من قوة،و سمعت صوت الزجاج يتهاوى لكن لم انظر إلى ورائي و أنا أهرع إلى غرفتي. و بمجرد أن دخلتها، أسرعت إلى غلق الباب و وثبت تحت الأغطية. كنت قلقا من السيجارة التي ألقيتها على الأرض، لكن كان من المستحيل أن أعود إلى هناك. كانت الريح تهدر طوال الوقت، و ظلت بوابة المسبح تحدث الجلبة حتى الفجر. نعم، نعم، لا، نعم ، لا، لا، لا..
أنا متأكد من أنكم قد خمّنتم مسبقا نهاية قصتي.
لم يكن هناك مرآة على الإطلاق.
عند طلوع الشمس، كان الإعصار قد مر. توقفت الريح و جاء يوم مشمس.  ذهبت إلى المدخل، و كان عقب السيجارة الذي قذفته هناك، و كذلك سيفي الخشبي، لكن لا وجود لمرآة، و لم تكن هناك أبدا أية مرآة.
ما رأيته لم يكن شبحا. كان ببساطة " أنا". لا يمكن أن أنسى أبدا الرعب الذي عشته ليلتها، و كلما تذكرت الأمر،  تراودني دائما فكرة أن أكثر ما يرعب في هذا العالم هي ذواتنا. ما رأيكم؟
ربما قد لاحظتم أنه لا يوجد في بيتي مرآة واحدة. لم يكن تعلم الحلاقة دون مرآة بالأمر السهل، صدقوني.

                    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمها إلى الإنجليزية :فيليب غابريال