dimanche 20 décembre 2015


بين التفرد و التكرار..


تتحدث قصة من موروثنا الشعبي عن فتاة جميلة حسناء كانت تعاني من ظلم زوجة أبيها التي تلقي بها فيما بعد وحيدة في الغابة . فتعيش الفتاة في مغارة و في إحدى المرات و بينما هي تشرب الماء من النهر تسقط شعرة من رأسها فيحملها الماء إلى حيث كانت فرس الأمير تشرب. تشرب الفرس الشعرة مع الماء فتضايقها، بعدها ينتزعها الأمير من فمها و يعجب بطول الشعرة و يطلب من حاشيته البحث عن صاحبتها حتى يتزوجها، فتبدأ سلسة البحث بين فتيات المملكة عن من شعرها بهذا الطول. و القصة تشبه إلى حد ما قصة سندريلا من ناحية تفرد الفتاة و حملها لصفة لا توجد لدى باقي الفتيات، مع أن العقل لا يقبل تماما مثل هذه القصص. فهناك الكثير من البشر يتشابهون في قياس أقدامهم و طول شعرهم و حتى نوعه، إلا أن طبيعتنا البشرية التي تسعى للتفرد و تحب دائما كل ما يشعرها بأنها لا تشبه غيرها ترتاح لمثل هذه القصص. إذ أننا نميل كأفراد إلى الاعتقاد بأننا متفردون و لا نشبه غيرنا، حتى في بؤسنا لا نستطيع تقبل فكرة أن هناك من يعاني مثلنا، و كذلك في الحب، و نقتنع بأننا نشكل دائما الاستثناء.
من جهة أخرى و رغم تجاوز أعداد البشر للسبعة ملايير، فإنه يستحيل أن نجد شخصان متطابقان، فحتى التوائم الحقيقية تختلف على الأقل في البصمة كأبسط الفروق.
فهل نحن متفردون أم مجرد نسخ مكررة؟
في الواقع نحن متشابهون و مختلفون في آن واحد!
نحن متشابهون في الصفات إذا أخذناها منفصلة عن التركيبة العامة، فهناك الملايين من البشر متشابهون في لون الشعر و العيون و الطول و الوزن و الحجم و قياس القدم و لون البشرة و شكل العين و الأنف و الفم و الأسنان و ما إلى ذلك. لكننا نختلف في التركيبة العامة، أي في الطريقة التي تجتمع بها هذه الصفات في الشخص الواحد.
نحن نتشابه أيضا في الطريقة التي نشعر بها، نحس بالألم بنفس الطريقة رغم اختلاف ما يؤلمنا، و نشعر بنفس طعم السعادة رغم اختلاف ما يسعدنا .. نتشابه و نختلف و تتقاطع مصائرنا و يبقى ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.

غضون...

تعرف تلك الأخاديد التي يتركها الزمن خلفه على جباه البشر بالغضون، و تقول معاجم اللغة أن كل تثن في الجلد أو الثوب هو غضن، فالغضن هو الطية و التثني و الانحناءة. بعد ذلك انتقل هذا المعنى إلى الزمن، فأصبح يقال في "غضون أسبوع" او "أيام" أو "ساعات" أو "دقائق" او "ثواني"، و هذا يدفعني للتساؤل عن علاقة الطية بالزمن، فلطالما تصورت أن الزمن يمتد على خط مستقيم و هو ما نطلق عليه "محور الزمن"، تتجاور فيه اللحظات و تتلاصق في امتداد واحد.
فمن أين جاءت هذه الغضون؟
يفرض هذا السؤال نفسه بشدة علي، و لا ادعي امتلاك إجابة عنه. لكنني أؤمن أن اللغة تنطوي على شيء من الحقيقة الأولى، فأعيد صياغة مفهوم الزمن في عقلي من جديد، و اعدل من تصوري له، فيغدو الخط المستقيم انحناءات و تموجات و اهتزازات تختبئ في طياتها الكثير من اللحظات الهاربة من حياتنا دون أن ندركها.. الزمن المنحني و المتموج مغرِ أكثر إذ يتيح لنا عيش اللحظات بطولها و عرضها و عمقها و ثناياها.

jeudi 12 mars 2015

تتسرب إلى واقعي

كرائحة قهوة يمنية

و يتشبّع بك حلمي

كعطر فرنسي فاخر..

***
ترحل بي إلى أراضٍ
لم تطأها أقدام بشر
و توردني منابع ماء
لم يعرفها الغجر
***
يا رجلا
لم يتعلم لعب الشطرنج يوما
و لكنه ، بالفطرة، يعرف كيف يدير مملكة
**
ينساب عمري بين أصابعك العشرة
فأغدو طفلة على العاشرة
و أبلغ عقدي الثالث عند الزوال
و أشيخ في حبك بعد الثامنة
***
لأحرف اسمك صدى..
و نغمة..
و رنة أسورة الذهب..
***
ابتسامتك طوق ياسمين
لم يكفي بلقيس عرشها
لتشتريه..
***
أسلك طريق الحرير إلى قلبك
و اتوه..
و أغرق
و أحترق
و أضل
و الضلال على طريقك هدى
***
في عيد ميلادك
أهديك كل ضمائر التملك
و "أنا"
و كل المفاعيل..بها و معها و لها و من أجلها
و حروف العطف و النداء
و أغدو لأجلك مجرمة
فأعلن الحرب على ضمائر المؤنث
و أرسل تاء التأنيث و نون النسوة إلى المنفى
و أهدم ما تبقى من قواعد..
***
أيا قبلتي و مقصدي
و وجهتي و غايتي
و ملجأي
و منفذي
و مُهلكي
و مُنقذي..
يا أجمل أخطائي
و ذنبي الذي أتقرب به إلى ربي
فيقبلني
و يدخلني روضة العاشقين
و جنة المؤمنين

vendredi 30 janvier 2015



في حضوره تعرف الزرقة طريقها إلى سمائي و تتلون قطرات الندى..
في الفواصل الزمنية بين دقات قلبي يقيم لي عوالم أفر إليها مجردة من الواقع..
يحيك لي من حروف اسمه وشاحا احيطه على عنقي و اعقده عقدتين.
يكتب لي قصيدة يستعير حروفها من وهج القمر ..
و يبتاع لي أغنية جديدة يلبسها صوت فيروز .
يعيد لصوتي إيقاعه و يقيم انكساراته.. و يبعث فيه الحياة..
يهديني سيف بن ذي يزن و ابتسامة موناليزا و شجرة سنديان لا أحد يعرف مكانها..
التقط ضحكاته و اصنع منها سبحة اذكره بها..
في محراب عينيه أصلي و من وحيها اكتب سبع "مانترات"..
و اهيم في الأرض بحثا عن كل قصائد العشق أقدمها قربانا له..
***
أرى في صفحة وجهه حاضري و مستقبلي.و اتنكر لماضي حين لم يكن هو هناك..
لكنه الآن هنا..
لا قريب و لا بعيد

من " سجدة في مرسية" ( رواية قيد الكتابة)

"تقودني خطواتي مسرعة خارج الحي، انتظر مرور السيارات المسرعة و اعبر الطريق، أسير على الرصيف الضيق، لا يتسع لأكثر من شخصين، يأتي شخص ثالث يزاحمنا هذا الحيز الضيق، فيتنازل الأقل عنادا و ينزل من على الرصيف إلى الطريق.. حركة السير خانقة، تكاد السيارات تلتصق ببعضها، أبواقها تصم الآذان، ودخانها يملأ الرئتين..على جسر القنطرة يتسع الرصيف قليلا، شيخ بثياب قذرة ممدد على الأرض، فقط شعر لحيته المهتز بأنفاسه يوحي بأنه لا يزال حيا، يمد قدميه العاريتين على الرصيف في وجه مروءتنا العارية .. نحاول تجاهله، إخراجه من مجال بصرنا، فننجح و نتجاوزه دون أن تعلق صورته القذرة بضميرنا الناصع، أصل إلى شارع " طريق جديدة" المتهرئ، في تناقض صارخ بينه و بين تسميته، فلا هو بالطريق و لا هو بالجديد، و كعادته مزدحم، بالكاد أجد لنفسي مكانا اعبر منه، رجل أعمى يبيع الجوارب على الرصيف، صراخ متسولة تسأل مالا لشراء الحليب لطفل أشقر أزرق العينين تعلو وجنتاه حمرة، و على الرصيف الآخر متسولة زنجية تحمل طفلها خلف ظهرها، فيبدو المشهد كأنه اختبار لعنصرية عطاءنا، امرأة تضربني دون قصد بأكياسها و تواصل سيرها دون اعتذار.. أمر على محلات الأكل السريع، تفوح رائحة التوابل و تلفح وجهي الحرارة المنبعثة من سيخ الشورما، ألقي نظرة على اللحم المكدس فيه و أفكر في أننا إلى حد ما نشبهه، أكداس بشرية لا تعدو أن تكون مجرد كم.. تتقدمني شابتان تمشيان الهوينى، أحاول تجاوزهما لكنهما تحتلان الرصيف، يزيد امتعاضي، فأرجع إلى الطريق لأواصل سيري.. لم يعد التجول في هذه المدينة يغريني، كل ما تقع عليه عيناي يثير اشمئزازي، أحاول الآن الهروب إلى الأزقة الأقل اكتظاظا.. أفر من روائح العرق و الألوان الصارخة التي تنم عن ذوق مبتذل، و من كل ما يوحي بأن هذه المدينة أصبحت مجرد قرية كبيرة. أصل إلى ساحة لابريش التي تعج بمن لم يثنهم شيء عن الخروج في هذه الشمس الحارقة، أناس يسيرون دون هدف، ملامحهم تتشابه أكثر و أكثر، أو يصيرون دون ملامح..رجل يحدث نفسه، لا يبدو عليه الخبل بقدر البؤس..جمل مقتطعة من أحاديث المارة تتلاشى في الفضاء قبل أن تصل مسامعي.."